يعد ‘کارل پیکر Carl Becker،’ واحدا من مؤرخي الطليعة الأمريكيين، وقد أصبح بفضل من تخرج على يديه من الرجال وما دبجه قلمه من الكتب، صاحب الأثر البالغ في جيل بأسره من الطلاب. والرجل، قبل كل شيء مؤرخ للأفكار. فهو يعيننا على أن نفهم الحادثة من حوادث التاريخ، عن طريق بحثه في الكيفية التي يشرح بها أولئك الذين شاركوا فيها، لأنفسهم، سلوكهم وتصرفهم فيها. وأعظم كتبه تمثيلاً لهذه النزعة هو، على أغلب الظن، كتابه المسمى ‘إعلان الاستقلال’ The Declaration of Independence وهو دراسة في تاريخ الأفكار السياسية ؛ وإذ يتتبع الأستاذ ‘بیکر’ في كتابه نظرية ‘الحقوق الطبيعية’ منذ العصور الوسطى إلى وقتنا الحاضر، توصل إلى معارف جديدة عن عقلية القرن الثامن عشر، وعن الرجال الذين أنشأوا الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن أسلوبه في الكتابة واضح مشرق ونقدي لاذع، فإن كتبه لم تصادف قط رواجاً عظيماً بين الناس. غير أن هذا الأمر لم يكن بذي أهمية فيما مضى، إذ أن تأثير الرجل، وإن اتخذ في الغالب طريقاً غير مباشر، قد وسع أمته كلها.. أما وقد أحدقت بنا اليوم مشكلات السلام المقبل، لم يبق أمامنا من وقته للإبطاء في بث الأفكار أو نشرها بين الناس ولا لسلوك طريقة ملتوية في ذلك.