أخلاق الوزيرين بقلم أبو حيان التوحيدي … لو نال أبوحيان التوحيدي الحظوة والجاه عند ابن العميد والصاحب بن عباد الذين طرق بابهما آملا ما كان طمعه يدندن حوله ونفسه تحلم به، لو حدث ذلك ما خرجت لنا هذه التحفة الأدبية من الإبداع الفني النثري التي خطها لنا، وظلت حبيسه لديه خوفا من بطش هذين الوزيرين ذوي السطوة والقوة في زمنه. هذا الكتاب يمثل عملية رصد لحقبة سياسية متقلبة في حياة الدولة العباسية، من خلال ملازمة أبي حيان لاثنين من أشهر الوزراء والساسة في زمانه، ومن خلال هذه الملازمة والمعايشة صاغ تجربته في كتابه ‘أخلاق الوزيرين’ الذي رصد فيه ما اتصف به هذان الوزيران من الكبر والغرور والفساد وقسوة اللسان والقلم. وزاد هذه التجربة ثراء وإبداع في التصوير الأدبي أن أبا حيان أديب واسع الثقافة، أكسبته صلته بالناس على اختلاف طبقاتهم ومشاركته لهم في حياتهم تجربة واسعة، فهو ناقد مر، ذو حس مرهف ينفعل لأخف المؤثرات، ويسجل أسرع الحركات وأخفاها، يصحب كل ذلك قدرة لغوية فائقة تسعفه على نقل أحاسيسه نحو الناس -مهما دقت- في غاية الوضوح والصفاء. وبهذه المواهب جميعا حضر مجلس الصاحب، وعايش ما فعله ابن العميد. فرأى وسمع ولقى منهما ما ملأ عليه حواسه فسجل ما شعرت به نفسه من الألم في كتابه هذا، وأخرجه صورا صورا معبرة رائعة ناطقة، أظهر فيها أبو حيان بحق أنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة.
Sobre el autor
أبو حيان التوحيدي (310 – 414 هـ / 922 – 1023 م) فيلسوف متصوف، مسلم وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب.
وقد امتاز أبو حيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، فهو رجل موسوعي الثقافة، سمي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء كما، امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي -بعد ذلك- مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب.