الكتابة عن الجنون رسمٌ بالسكين على قماشة الفكر المتمثّلة بالروح على غرار أحلام فان غوغ المُدوَّرة ببروق تلك اليد وصواعقها. بهاته الحدَّة كان خضير ميري يكتب سيرة الجنون الذي شهد أزمنته العاصفة، وتماكن معه في لجوئه إلى السكن في الشماعية.
إنَّ جنون خضير ميري هاملتي النزعة، يشبه إلى حدّ كبير ذلك العارف الذي حلم بأنَّ ظلّه قد سُرق منه، فقضى حياته مفتشاً عنه، حينما مات عاد إليه ذلك الظل، هكذا كان خضير ميري يتعامل مع الجنون بوصفه نجمةَ طريق في ليل دامس، ولأنَّ ثقته قد تزعزت بهذا النوع من العقل، أخذ من الجنون ما ينقصهُ من الحرية.
ليس بوسعنا أن نفهم كتابة خضير ميري ما لم نبلغ كنه علاقته برأسماله الفكري والأدبي المتمثّل بـالشماعية ذلك المكان المعادي بحسب تصنيفات ميشيل فوكو، إنَّه (المكان-الكارثة). بيد أنَّ الشماعية على الرغم من فظاعة ما يحدث فيها، تراءت لـخضير ميري على أنَّها تلك المدينة الفاضلة التي حلم ونادى بها الفارابي كسكن للفلاسفة بمواجهة المدينة الجاهلة المحكومة بالسوط والمجاعات، لكن المفارقة تكمن في كيفية تحويله المكان المعادي إلى أرخبيل فلسفي مُنجداً للعقل وحامياً له من بطش الحكام ومريديهم بالجنون الهاملتي الذي اتخذ منه ميري سياسةً للنجاة والتفكير على حدّ سواء.