يُشكّل كتاب ‘الأورجانون الجديد’ لفرانسيس بيكون ركيزةً أساسيةً في صرح فلسفته، ويمثّل محاولةً جادةً لإعادة بناءِ صرحِ المعرفة الإنسانية من جديد. ويكتسبُ الكتابُ أهميةً خاصةً لكونه الجزءَ الثاني من مشروعِ بيكونِ الضخم ‘الإحياء العظيم’، الذي خطط له في ستةِ أجزاء، لكنه لم يُتِمْ منه سوى هذا الجزء، إلى جانبِ كتابِهِ السابق ‘النهوض بالعلم’ الذي عدّه الجزءَ الأول من المشروع. يهدفُ بيكون من خلال هذا العمل إلى إرساءِ قواعدَ جديدةٍ للتفكير العلمي، مُبتعدًا عن المنهجِ الأرسطيِّ القائم على القياسِ المنطقيِّ، ومُنْصِبًّا نحوَ المنهجِ التجريبيِّ الذي يتّخذُ من الملاحظةِ والتجريبِ أداتين أساسيتين لِفَهْمِ الطبيعةِ والسيطرةِ عليها. ويُعدُّ عنوانُ الكتاب ‘الأورجانون الجديد’ إعلانًا واضحًا عن قطيعةٍ مع ماضي الفلسفةِ ، حيثُ يتحدّى بيكون ‘أورجانون’ أرسطو الذي هيمنَ على التفكير العلمي لقرون، ليُقِيمَ مكانَه ‘أورجانونًا’ جديدًا يرتكز على أسُس مختلفةٍ تعتمدُ على التجربةِ والملاحظة. وينقسمُ ‘الأورجانون الجديد’ إلى قسمين، أحدهما سلبيٌّ يكشفُ فيه بيكون عن ‘أوهامِ العقل’ التي تحول دون وصولِ الإنسانِ إلى المعرفةِ الحقيقيةِ، ويلخصها في ‘الأوهامِ الأربعة’: أوهامُ القبيلة، وأوهامُ الكهف، وأوهامُ السوق، وأوهامُ المسرح. أما القسم الثاني فهو إيجابيٌّ يطرح فيه بيكون ‘منهجَهُ العلمي الجديد’ الذي يُعرف بطريقةِ ‘الاستقراء العلمي’.
Sobre o autor
يُعدّ فرانسيس بيكون (1561-1626) واحدًا من أبرزِ فلاسفةِ إنجلترا وأعلامِ عصرِ النهضةِ الأوروبية. وقد ترك بصمةً واضحةً في تاريخِ الفلسفةِ بفضلِ دعوتِهِ إلى المنهجِ التجريبيِّ في دراسةِ الطبيعة، وإلى ضرورةِ تخليصِ العقلِ من ‘الأوهام’ التي تكبله. نشأ بيكون في بيئةٍ علميةٍ وثقافيةٍ غنيةٍ، فوالده كان ‘حارسَ الختمِ الكبير’ في بلاطِ الملكةِ إليزابيث الأولى، وأمه امرأةً متعلمةً تتقنُ العديدَ من اللغاتِ. درس بيكون في جامعةِ كامبريدج، لكنّه سرعان ما انتقد مناهجَها التعليمية التي كانت لا تزال أسيرةً لِلفلسفةِ الأرسطية. عملَ بيكون في المحاماةِ والسياسة، وتقلّد مناصبَ رفيعةً في الدولة، إلّا أنّه تعرض لِاتّهاماتٍ بالفساد أدّت إلى سجنه لِفترةٍ قصيرةٍ. وبعد خروجه من السجن، كرّس بيكون نفسه لِلكتابةِ والبحثِ العلميِّ، فأنتج مجموعةً من أهمّ الأعمال التي أسّست لِفلسفةِ العصرِ الحديث.