خلَّفَت ثورة يناير وراءها عالمًا أمسى قديمًا في وعي كل المعاصرين، يُشار إليه بالماضي أو «زمان»، حتى لو كان المقصود عَقدًا واحِدًا مضى، وعلى الرغم من كونه قديمًا لم نكتشف بعدُ كُلَّ عناصره ولا تركيباته كي نفهم لحظتنا المعاصرة التي هي نتاج تفاعُلاته هو، أصبح المصريون بعد يناير يُطلَق عليهم أنهم شعبٌ بلا كتالوج؛ لأنهم أصبحوا شعبًا موجودًا من الأصل، يتحرَّك بشكل مَرئيٍّ بعدما عبَّر عن وجوده، لم يَعُد صُوَرًا مُخلَّقة في دراما مُوجَّهة، انهارت كل الصورة النَّمطيَّة القديمة رغمًا عن الجميع. لم تَعُد من الممكن صياغة مصر كعالم مُتخيَّل من عناصر بسيطة؛ فالبلد في تغيُّر مستمرٍّ، والمجتمعات لا تسكن أبدًا، يمكن أن تخفض صوتها، لكنها لن تتوقَّف عن الهمس والكلام، وفي الأثناء ستتشكَّل لغاتٌ جديدة، تتطوَّر وتتمايَزُ، وتُصبِح معها العوالم المتنوِّعة أكثر عُزلَة وتناثرًا، ولن تستطيع خطابات الصُّوَر النمطية التافهة احتواءَها بحيث يسير كل شيء بالتوازي، حتى تأتي لحظةٌ تتقاطَع فيها المتوازيات، فتصطدم العوالم بعضها ببعض؛ وحينها لن يمكن إخفاء صوت الانفجار.
Om författaren
وُلِد بمدينة نصر شرق القاهرة لأسرة تهتمُّ بالشأن العام والثقافة كمعيارَيْن للجدارة الإنسانية. تخرَّج في كلية التجارة جامعة عين شمس، وعمل مُبكِّرًا في القطاع المالي والمصرفي داخل وخارج مصر. يُصنِّف نفسه شيوعيًّا منذ سِنِّ السابعة عشرة. هاجر في منتصف عشرينيَّاته إلى أستراليا، وفي بداية ثلاثينيَّاته عاد منها إلى مصر قبيل ثورة يناير 2011، حيث استأنف نشاطه السياسي والفكري والكتابي في عددٍ من الصُّحف والمواقع الإلكترونية، لم ”يَعُد له موطن مُحدَّد منذ منتصف ثلاثينياته، حيث يعيش بين أربع قارَّات، وستِّ دول، أو إحدى عشرة مدينة، وسبعة عشر منزلًا، أو أكثر…”. صدر له مؤخَّرًا: ”تاريخ العصامية والجَربَعَة” عن مركز المحروسة.’