‘الإمبراطوريَّاتُ أَكبرُ مِن كَونِها دُوَلًا كُبرَى، وهِيَ تَتحرَّكُ داخِلَ عالَمٍ خاصٍّ بِها، أمَّا الدُّوَلُ فَمَشمولَةٌ بِمَنظومَةٍ صاغَتها مع غَيرِها مِن الدُّوَل، ومِن ثَّم فَهِي لا تَملِكُ التَّحكُّمَ فيها بِمُفرَدِها. الإمبراطوريَّاتُ على العَكسِ من ذَلِك، تَفهَمُ نَفسَها بِوَصفِها صانِعَةً وضامِنَةً لِنِظامٍ لَن يَستَقيمَ بِدونها، ويَجِبُ عَلَيها أَنْ تُدافِعَ عَنهُ ضِدَّ اندِلاعِ الفَوضَى الَّتي تُمثِّلُ تَهديدًا مُستَمِرًّا لَهُ. ونَظرَةٌ فاحِصَةٌ لِلتَّاريخ، لَيسَ تاريخَ الولاياتِ المتَّحِدَة الأَمريكيَّة فحَسب، وإنَّما تاريخُ الإِمبراطوريَّاتِ الأُخرى أيضًا، تُرينا أَنَّ استخدامَ تَعبيراتٍ لُغَويَّةٍ مِن قَبيلِ »مِحوَر الشَّرِّ» أَو »المواقِعِ الأَمامِيَّةِ للطُّغيان» لَيَست جَديدَةً أَو مُتَمَيِّزَة، بل إنَّها تَختَرِقُ تاريخَ الإِمبراطوريَّاتِ مِثلَ خَيطٍ أَحمرَ مُتَّصِل.
يَـدورُ هَـذا الكِتـابُ إِذًا حَولَ أَنماطِ السِّـيادَةِ الإِمبراطوريَّة، وأَشـكالِ التَّوسُّـِع والاسـتقرارِ، وحَولَ الوَســائِطِ العَالمَيـَّـة الَّتــي تُنجَـُـز فيهــا وبِواسِطَتِها الإمبراطوريَّة. ولَــن يَقتَـصِرَ الاهتِـمامُ المعرِفيُّ هُنـا علـى التَّفرِقَةِ بَـينَ الإمبرباطوريَّـاتِ البَحَريَّـة والبَرِّيَّـة، والإمرباطوريَّات التِّجاريَّةِ والعَسـكَريَّة، بَـينَ الأنظِمَـِة الإمرباطوريَّةِ الَّتـي تَتَطـوَّر عـن التَّحَكُّمِ في المناطِـِق وتِلكَ الَّتـي تَقومُ في الأَسـاسِ علـى التَّحَكـُّم في تَدَفُّقـاتِ (البَشَـِر، السِّلَعِ، رأسِ المـال)، بـل سيَتَجاوَزُ ذَلِـَك كُلُّـه إلى عَقلانِيَّةِ القُوى، وإلى مَنطـِقِ السِّـيادَةِ الكَونِيَّـة.
‘
Об авторе
مواليد ولاية هيسن بألمانيا. حصل على الدكتوراه عام 1981 بعمل حول ‘تاريخ الفلسفة والفعل السياسي’، ثم حصل على درجة الأستاذية عام 1987 بعمل حول ‘مصلحة الدولة العليا كمصطلح إرشادي في بداية العصر الحديث’. وقد تنقَّل بين عِدَّة وظائف جامعية وهو يعمل منذ 1992 أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة هومبولت ببرلين. وهو يبحث بصفة أساسية في مجال علم الأفكار، وله غير كتابه الذي صدر عن مركز المحروسة ‘إمبراطوريات’ أعمالٌ كثيرة جدًّا، منها: ‘الحروب الجديدة’ (2002)، ‘من الحرب إلى الإرهاب’ (2005)، ‘تحوُّل الحروب’ (2006)، ‘الألمان وأساطيرهم’ (2008)، ‘التوسُّط والتدبير’ (2010)، ‘الحرب العظمى’ (2013)، ‘الخيانة الحربية’ (2015)، و’حرب الثلاثين عامًا’ (2017).