يؤكد إيڤان بونين، وهو أول كاتب روسي نال جائزة نوبل في الأدب، أنه لم يملك منزلاً أو بيتاً خاصاً به خلال حياته؛ فقد أقام معظم الوقت لدى الأصدقاء والأقارب والمعارف، أو في الفنادق والبيوت المستأجرة. ويؤكّد أنّه عاش في تجوال مستمر؛ متنقلاً من مكان إلى آخر، داخل بلده أو خارجه.
لا تخرج الروايتان القصيرتان ناتالي وتانيا- المنشورتان في هذا الكتاب- عن هذا النطاق، فبطلاهما لا يعيشان في مكان واحد، بل يرتحلان بشكل دائم، وأحداثهما تجري على مراحل متباعدة؛ أي عندما يحضر البطل إلى مكان ما زائراً أو مقيماً لبعض الوقت.
الحبّ هو الشخصية الرئيسة التي تعيش على صفحات الروايتين من السطور الأولى وحتى الأخيرة، حيث تتكشّف قصص الحبّ أمام أعيننا؛ ذلك الحبّ الذي يعتبر جزءاً من عالم كبير وغامض. وبحسب بونين لا يوجد شيء أكثر فظاعة وجاذبية وغموضاً من الحب، سواء أكان في السماء أم على الأرض.
يمتاز أسلوب بونين بالتصوير الدقيق والوصف البارع، والذي لا يشمل المظهر الخارجي فحسب، بل والإيماءات والأزياء والسلوك، ويُخرج أصوات الشخصيات الداخلية إلى العلن بشاعرية جميلة، لتُحدث صدى عميقاً في النفس البشرية، وتولّد أفكاراً غير متوقعة في ذهن القارئ.
الروايتان مليئتان بالدراما، وهذا لا يتم من خلال تصوير المواقف الدرامية، وإنما من خلال الكشف عن الغموض الموجود في الحياة اليومية- كما في قصائد بوشكين- والذي تظلّله مشاعر الشباب القوية التي تندمج مع روائح المكان وأصوات الطبيعة وألوانها.
الحبّ والموت متلازمان جداً في الروايتين؛ وهذا يعكس مأساة بونين التي جمعت بين هذين المفهومين المتعارضين. وهو نفسه قال عن هذا: ألا تعلم بعد أنّ الحب والموت مرتبطان ارتباطاً وثيقاً؟ ففي كل مرة عشت فيها كارثة حب- وكان هناك الكثير من كوارث الحب هذه في حياتي- كنت أوشك على الانتحار….
Про автора
وُلد إيڤان ألكسيفيتش بونين في 22 أكتوبر عام 1870 في فورونيج جنوب غرب روسيا، وتوفي في 8 نوفمبر 1953 في باريس. وكان بونين أول كاتب روسي يحصل على جائزة نوبل للآداب، لكنه لم يستطع لأسباب صحية الظهور شخصياً في حفل توزيع الجوائز. نال بونين أيضاً جائزة بوشكين الأدبية الرفيعة. وقد اشتهر بالبراعة الفنية الصارمة والالتزام بالتقاليد الروسية الكلاسيكية في كتابة النثر والشعر. ويعتبر نسيج قصائده وقصصه، الذي يُسمّى أحياناً ديباجة بونين، من أغنى الأساليب في اللغة الروسية.ظهر بونين في البداية كشاعر كلاسيكي ضمن المدرسة الرمزية. ثمّ جمعته أواصر معرفة وثيقة بمكسيم غوركي مؤسس المدرسة الواقعية الاشتراكية، فتأثر بغوركي واختبر أساليب الواقعية الروسية المتأخرة في سلسلة من القصص الكئيبة حول تدهور الريف الروسي ووحشية حياة القرية الروسية. وتطرّق في أعماله أيضاً إلى اختفاء طبقة ملاك الأراضي. وقد وصف كل هذا في روايته القرية (1910) والوادي الجافّ (1912).اشتهر بروايته عن سيرته الذاتية حياة أرسينيف (1933 – 1939) ، وكتاب القصص القصيرة الدروب المظلمة (1946) ومذكراته 1917-1918 (أيام ملعونة)، 1926). كان بونين شخصية محترمة بين المهاجرين البيض المناهضين للشيوعية، والنقاد الأوروبيين، بالإضافة إلى العديد من زملائه الكتاب، الذين اعتبروه وريثاً حقيقياً للأسلوب الواقعي في الأدب الروسي الذي أسّسه تولستوي وتشيخوف.